مؤتمر اللاجئين في دمشق ونقلة الشطرنج الروسية الثالثة
15.11.2020
عباس شريفة
نداء سوريا
السبت 14/11/2020
منذ أن بدأت الثورة السورية في 2011 وقفت موسكو بجانب النظام السوري ضد تطلعات الشعب السوري في الخلاص والحرية وأمنت للنظام الحماية الدولية في مجلس الأمن وقدمت لها كل الدعم السياسي الذي يمنع تجريمه وإدانته واستعملت روسيا الفيتو "حق النقض" ، 12 مرة، لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن بخصوص سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
وبعد أن تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا عام 2015 عملت موسكو على تصفية القضية السورية في "أستانا" عسكرياً، وجعلت من اتفاقات خفض التصعيد فرصة للتفرد بالمناطق المحاصرة في الغوطة وريف حمص الشمالي ووادي بردى والقلمون ودرعا والعمل على قضم الجغرافيا من خلال عملياته العسكرية المتواصلة، وحسر سيطرة الفصائل على الجغرافيا وممارسة التهجير الممنهج عن طريق ما يسمى "الباصات الخضر"، عملت روسيا في مسار "سوتشي" الذي بدأ بعقد مؤتمر شعوب سوريا في مدينة "سوتشي" الروسية على تصفية القضية السورية سياسياً، وذلك بنقل العملية السياسية من استحقاق سلة الانتقال السياسي إلى سلة اللجنة الدستورية التي ما زالت متعثرة إلى الآن في بحث جدول الأعمال، ومحاولة نقل المفاوضات إلى دمشق لإعطاء النظام الصبغة الشرعية ودور الرعاية للحوار بين السوريين وتحويل النظام من خصم إلى راعٍ للمفاوضات .
يأتي توقيت المؤتمر الدولي حول اللاجئين المزمَع عقده اليوم في دمشق بين 11 و 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي كخطوة ترسم مشهد ما قبل النهاية للملف السوري وتصفيته إنسانياً من خلال إصباغ الشرعية على نظام الأسد، ودفع الدول التي تعاني من تكاليف استقبال اللاجئين السوريين إلى الاستجابة والحضور للمؤتمر بعنوانه الإنساني ومضمونه السياسي.
إن مؤتمر اللاجئين في دمشق فكرة روسية، ودعاية انتخابية دولية لبشار الأسد تساهم في تلميعه لاستحقاق الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل 2021 م.
هل تذهب موسكو إلى مؤتمر اللاجئين المزمَع عقده في دمشق بالتنسيق مع الولايات المتحدة أم بخطوة منفردة؟ الحقيقة أن موسكو تدرك أن تسويق الرفض الأمريكي لمؤتمر اللاجئين لا يعدو كونه رفضاً إعلامياً مشابهاً لما حدث قبيل الدعوتين إلى مؤتمرَيْ "أستانا" عام 2016، و"سوتشي" 2018، لكن في النهاية تماشت الولايات المتحدة مع كل مخرجات المؤتمرين السابقين.
وربما تستغل موسكو حالة دخول السياسة الأمريكية طور الثبات والبطة العرجاء لاستمالة الدول التي كانت تضغط عليها الولايات المتحدة لرفض المقترح الروسي مثل العراق والأردن ولبنان لحضور هذا المؤتمر.
لكن السؤال هنا هل سيُكتب النجاح لمثل هذا المؤتمر؟
وهنا يتوقف الجواب على الطريقة التي سيتم بها إقناع المهجَّرين بالعودة إلى حضن النظام السوري.
هل ستكون بممارسة المزيد من الضغوط على المهجرين عن طريق حكومات الدول التي تستضيفهم واتخاذ إجراءات من شأنها أن تضيق عليهم منها:
1- قطع المساعدات الدولية التي تقدم للاجئين وتحويلها للنظام ليتم توزيعها عن طريقه، والذي بدوره يقوم بتوزيعها لشبيحته.
2- التضييق على اللاجئين في قضية الأوراق وصلاحية الجواز والإقامة وإجبار الناس على مراجعة سفارات النظام وتكليفهم بنفقات باهظة للحصول على الأوراق الثبوتية وتجديد الجوازات والإقامات.
3- ممارسة التنمر والإيذاء النفسي على اللاجئين في المدارس والمخيمات ومن قِبل الموظفين الحكوميين.
4- قيام بعض وسائل الإعلام التابعة للدول المضيفة بحملات إعلامية تستهدف المهجَّرين وتحرض على الكراهية ضدهم، مثل ما يجري في لبنان .
لكن تبقى الخطوة الروسية فاقدة للمصداقية لأنها تعالج قضية إنسانية لها جذور سياسية تتعلق بوجود نظام قمعي مجرم ساهم بإجرامه في تهجير كل هؤلاء اللاجئين، وفي رسم مأساتهم ومعاناتهم، واليوم تقوم روسيا بمعالجة الأزمة دون المساس بأسبابها التي تتلخص بوجود نظام الأسد على رأس السلطة في سوريا، والتي تمانع روسيا إلى الآن إجراء أي عملية انتقال سياسي من شأنه أن يبعث بالطمأنينة للاجئين ويحملهم على العودة الطوعية بدون أي إكراه أو قسر .
وهنا يأتي دور قوى الثورة والمعارضة بتحذير اللاجئين السوريين من خطر العودة غير الآمِنة إلى قبضة النظام، الذي لا ينتظر من عودتهم إلا سحب شبابهم للخدمة الإلزامية للدفاع عن نظامه المتهالك، وسحب مدخراتهم، وتحقيق نصر سياسي على حساب معاناتهم لضمان بقائه في السلطة لولاية رئاسية قادمة، ودفن العملية السياسية لحل الأزمة السورية نهائياً إذ تعتبر الأزمة بعودة اللاجئين منتهية حكماً، و لا يعود هناك أي داعٍ لعملية التفاوض مع قوى المعارضة التي ستبقى منعزلة عندما يعود اللاجئون .